محافظة الأسماعيليه

دنيا الاطفال- محافظة الأسماعيليه

 محافظة في جمهورية مصر العربية، وعاصمتها مدينة الإسماعيلية وعيدها القومى  25 أكتوبر تكريما لرجال الشرطة الذين تصدوا للقوات البريطانية عام 1952
تعتبر الإسماعيلية من أحدث المدن المصرية ، إذ نشأت مع أفتتاح قناة السويس في 16 نوفمبر 1869 م ، في عهد الخديوي إسماعيل الذي أخذت أسمه ، وماتزال بعض أحيائها وشوارعها بطرازها الأوروبي وعلى النسق الفرنسي بشكل خاص في هندسة تصميم المدن والتخطيط العمراني تعكس إلى اليوم ، ملامح من مشروعه الطموح بتحديث مصر .
تبلغ المساحة الكلية للمحافظة 4482.8 كم2 موزعة على مراكز المحافظة وتبلغ مساحة مدينة الإسماعيلية بمفردها 1323.5 كم مربع ويبلغ عدد سكان المحافظة حوالى 776,403 نسمة ومدينة الإسماعيلية 471,000.وتضم المحافظة جزءاً من شبه جزيرة سيناء (منذ عام 1979) بعمق 30 كم شرق القناة وبطول حوالى 80 كم.
الإسماعيلية تكونت من خليط شكلته ثلاث موجات أو تكتلات أو هجرات رئيسية ، تدفقت في وقت واحد متزامنة مع أفتتاح قناة السويس ، وظهور المدينة الجديدة على شاطىء بحيرة التمساح التي كانت بحاجة إلى سكان يصنعون مقومات الحياة اليومية . أولى هذه الموجات كانت قد جاءت مع بداية أعمال حفر قناة السويس من الجنوب والمدن في صعيد مصر ، وهؤلاء الذين شاركوا في حفر القناة وسرعان ما وجدوا أنفسهم عقب أنتهاء أعمال الحفر ، وأفتتاح قناة السويس للملاحة الدولية ، أمام خيار البقاء في المدينة الجديدة منخرطين في أعمال وحرف تتطلبها حاجات الحياة والمعاش اليومي للمدينة ، مفضلين ذلك على العودة إلى منابع هجرتهم في صعيد مصر .
الهجرة الثانية جاءت من شمال الدلتا وتكونت من الصيادين في المناطق التي تطل على بحيرة المنزلة ، والذين وجدوا في المجرى المائي للقناة الجديدة ، مورداً جديداً للرزق ، فنزحوا بعائلاتهم إلى الإسماعيلية ليكونوا مجتمعاً يقوم على صيد الأسماك والتجارة فيها .
وجاءت الهجرة الثالثة من وسط الدلتا ، ومن مدينة الزقازيق تحديداً ، حيث كانت منذ بداية أعمال حفر القناة المركز الرئيسي الذي يستقبل الفلاحين الراغبين بالعمل في حفر القناة ، والمحطة الرئيسية التي يتجمع فيها العمال القادمون من مختلف أنحاء الصعيد ، قبل أن يتوجهوا إلى منطقة الحفر . وبحكم الجغرافيا ، التي جعلت الإسماعيلية أقرب مدن القناة إلى مدينة الزقازيق والقرى حولها ، فقد ظلت الزقازيق وإلى اليوم تشكل المصدر الرئيسي لكافة الهجرات القادمة إلى الإسماعيلية ، حيث جاءت منها موجات هجرات متتالية ، خصوصاً في أعقاب حروب 1948 ، و1956 ، و1973 ، إذ كانت الإسماعيلية – ولاتزال – المدينة الجاذبة للكثيرين من سكان محافظة الشرقية بما تتيحه من فرص العمل والوظائف
الإسماعيلية مدينة حديثة النشأة ولايزيد عمرها على 140 عاماً ، إلا أنها مدينة لها تاريخ ، صنعته الجغرافيا التي فرضت على الإسماعيلية دوراً نضالياً متميزاً في التاريخ المصري الحديث والمعاصر ، وعلى الرغم من أنها كانت بحكم نشأتها وبحكم التركيبة السكانية مدينة مفتوحة ، ومنفتحة إجتماعياً وثقافياً – وبالمعنى الحضاري الواسع – إذ كانت نقطة تلاق بين المصريين وعديد من الجنسيات الأجنبية ، وحيث عاش فيها عشرات اليونانين وأصبحوا من أبنائها ، إلا أنها كانت تتوجه بمشاعر العداء ضد قوات الأحتلال الإنجليزي ، وكان الجندي البريطاني يمثل لأبناء الإسماعيلية " الآخر" المحتل والمعتدي والظالم .


لقد عاش الأجانب وخاصة اليونانين والفرنسيين والبريطانيين في الإسماعيلية كأنهم من أبنائها ، وكان الكثير من المتاجر ومحلات البقالة وبعض المطاعم يمتلكها أجانب يتكلمون العربية كأنهم مصريون . ولم يكن أبناء الإسماعيلية يعاملونهم بأعتبارهم أغراباً أو أجانب ، بل أعتبروهم دائماً جزءاً أو بعضاً منهم . الأمر بالنسبة للإنجليز كان مختلفاً ، لأنهم مثلوا دائماً رمزاً للظلم والطغيان والأحتلال الذي كانت معسكراته وثكناته تنتشر على أطراف المدينة من جهاتها الأربع ، بل وتجثم على صدور سكان المدينة وفي قلبها . من هنا ، لم يكن غريباً أن تنتفض الإسماعيلية في 8 أكتوبر 1951 ، تأييداً للزعيم مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر آنذاك ، عندما أعلن إلغاء معاهدة 1936 التي ربطت مصر بزواج كاثوليكي مع بريطانيا ، كما أعلن إالغاء الأمتيازات الأجنبية ، فأنطلقت من الإسماعيلية أول إشارة للتأييد الشعبي الواسع الذي أيد قرار الزعيم المصري الكبير ، إذ تحركت أول مظاهرة شعبية تأييداً للقرار ، من مدرسة الإسماعيلية الثانوية في اليوم التالي ( التاسع من أكتوبر 1951 ) ةأنطلقت من أمام المدرسة تضم طلابها وطلاب عدد من المدارس الإعدادية المحيطة بها في أحد الأحياء العربية بالمدينة ، وهو حي عرايشية مصر ، وألتقت بالمظاهرة جموع من العمال والموظفين عند ميدان السكة الحديد ( الأن ميدان عرابى ) حيث وقعت مصادمات بين قوات الأحتلال الإنجليزي والمتظاهرين ، وسقط فيها عدد من الضحايا وأسفرت عن أصابات لحقت ببعض أبناء المدينة وطلابها . ولم تسكت المدينة ، بل نظمت مظاهرة أخرى في السادس عشر من أكتوبر 1951 ، وفي ميدان السكة الحديد وقعت مصادمات واسعة عندما تصدى العساكر الإنجليز للمظاهرة ، وأتسعت الأحتجاجات التي أتجهت صوب ثكنة ( النافي ) أحد مراكز قيادة الجنود الإنجليز في المنطقة ، وراح المتظاهرون يرفعون العلم المصري فوقها ، وواجهها الإنجليز بالبنادق والرصاص ، حيث قتلوا عدداً من الطلاب والمواطنين الذين شاركوا في المظاهرة ، ولجأ الإنجليز إلى تقسيم المدينة ، خوفا من أتساع المظاهرات وأنضمام أبناء الأحياء العربية إلى المظاهرة ، وفرضوا طوقاً أمنياً حول حي المحطة الجديدة ، حيث صنعوا عازلاً في شارع الثلاثيني ( الجمهورية الأن ) بين الحي العربي ، وحي الأفرنج الذي وقعت به المصادمات منعاً لأتساع المظاهرات .


16 أكتوبر 1951 هو اليوم الذي أنطلقت فيه حركة الكفاح المسلح ضد الأحتلال الإنجليزي ، بعد أن تأكد للجميع أن طريق المفاوضات وأنتهاج السبل السلمية في الحوار مع البريطانيين من أجل الأستقلال " ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً " حسب التعبير الذي أطلقه الزعيم سعد زغلول وأستمر إلى ذلك الوقت – لم يعد مجدياً ومنذ ذلك اليوم ، تدفقت على الإسماعيلية وبقية مدن القناة ، كتائب الكفاح المسلح التي ضمت فدائيي من كافة الأطياف السياسية في مصر ، من الأخوان المسلمين والشيوعين إلى الوفديين مروراً بمختلف التيارات والقوى الوطنية . وشهدت مدن وقرى كالمحسمة وأبو صوير والقصاصين والتل الكبير معارك " أستنزاف " لقوى الأحتلال البريطاني ومعسكراته ، وساهم أبناء الإسماعيلية في هذه المعارك ، وقدموا أمثلة عديدة لقدرتهم على التضحية والأستبسال في سبيل حرية مصر واستقلالها . ويزخر سجل التاريخ الوطنى لأبناء الإسماعيلية بمعارك الشرف والكرامة ، ولعل من أبرز الكتب التي سجلتها كتاب المؤرخ المصري الراحل عبد الرحمن الرافعي " مقدمات ثورة 23 يوليو " . وأيام الإسماعيلية الوطنية والتاريخية عديدة ، وإذ كان 16 أكتوبر 1951 بداية لحركة الكفاح المسلح ضد الأحتلال الإنجليزي ، فإن يوم 25 يناير 1952 كان ذروة ما وصل إليه هذا الكفاح ، حيث قامت معركة غير متكافئة بين قوات الأحتلال الإنجليزي وقوات الشرطة في مبنى محافظة الإسماعيلية ، عندما طلبت قوات الأحتلال من رجال الشرطة إلقاء بنادقهم وتسليم مبنى المحافظة ، ورفض رجال الشرطة الإذعان للمطلب الإنجليزي وأيدهم في موقفهم وزير الداخلية في ذلك الوقت فؤاد سراج الدين وأستمر حصار القوات البريطانية لمبنى المحافظة يوماً كاملاً ، حيث أصر الجنود المصريون ببنادقهم القديمة على أن يدافعوا عن المبنى ، ورفضوا تسليمه ، وأسفر القتال غير المتكافىء عن سقوط عدد كبير من شهداء رجال الشرطة . وفي اليوم التالي 26 يناير 1952 ، شهدت مصر حريق القاهرة الذي أعقبه فرض القوانين العرفية ، في تعبير عن أزمة النظام السياسي آنذاك ، ودخول النضال الوطني ضد الأحتلال الإنجليزي مرحلة جديدة كانت مقدمة لـ " 23 يوليو 1952 "


إذن ، فقد شاركت الإسماعيلية في الحركة الوطنية المصرية ، وسجلت في التاسع والسادس عشر من أكتوبر 1951 م – موقفاً نوعياً متميزاً في حركة الكفاح المسلح ضد الإحتلال الإنجليزي ، وكان اليومان " الأوكتوبريان " عن حق – الشرارة الحقيقية التي أنطلقت معها حركة الكفاح المسلح ضد الإنجليز . وتستمر مشاركة أبناء الإسماعيلية – بجميع فئاتهم وشرائحهم الإجتماعية – في النضال والمقاومة ، حتى أرغم المصريون الأمبراطورية التي لاتغيب عنها الشمس ، على سحب قوات الإحتلال ، بعد توقيع معاهدة الجلاء ، وعندما تفشل المؤامرة الإنجليزية الفرنسية المتمثلة في إنسحاب المرشدين الأجانب الذي يعملون في إرشاد السفن ، وينظمون حركة مرورها داخل قناة السويس ، وتنكشف محاولتهم التآمرية لتعطيل الملاحة في قناة السويس ، عقب قرار تأميم القناة الذي أتخذه جمال عبد الناصر في يوليه 1956 ، ويبدأ العدوان الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956 م ، بتحالف إنجليزي فرنسي إسرائيلي يحتل سيناء ، ويقتحم مدينة بورسعيد ، يبادر أبناء الإسماعيلية إلى تشكيل كتائب الحرس الوطني ، وينطلق الفدائيون في الحيين العربيين ( المحطة الجديدة وعرايشية مصر ) إلى حمل السلاح ، دفاعاً عن بورسعيد ، وتتجه تشكيلات منهم إلى المدينة الباسلة ، بينما تبقى تشكيلات أخرى في الإسماعيلية ، تحسباً لأي هجوم قد تشنه قوات الغزو الثلاثي على الإسماعيلية ، ويضرب أبناء الإسماعيلية مثلاً جديداً في الأستعداد للتضحية والموت دفاعاً عن مصر ، وتستمر المقاومة حتى يقف العالم كله ضد المؤامرة ، ويوجه الأتحاد السوفيتي إنذاراً للدول المعتدية ويطالبها بالأنسحاب ، وتقف دول كتلة عدم الإنحياز ، وفي مقدمتها الهند ويوغسلافيا ضد مؤامرة الغزو ، وتتدخل الولايات المتحدة التي كانت سحبت عرضاً لتمويل مشروع مصر لبناء السد العالي ، وتطالب إنجلترا وفرنسا وإسرائيل بسحب قواتها ، وتنسحب القوات المعتدية من مدينة بورسعيد في 23 ديسمبر 1956م .


وتدور عجلة الزمن دورتها ، وتتدفق في مجرى النهر مياه جديدة ، وعندما تبدأ نذر حرب أخرى وتتصاعد حدة التوتر بين إسرائيل وسوريا ، وتتدخل مصر ( العربية ) دفاعاً عن سوريا ، وتتزايد الإرهاصات بوقوع الحرب في منتصف مايو 1967م ، يتجه أبناء الإسماعيلية ، رجالاً وشباباً ونساءً وشيوخاً إلى التدرب على حمل السلاح ، وتتشكل كتائب المقاومة الشعبية ، وتتحول ساحات المدارس ( خاصة مدرسة الإسماعيلية الثانوية ، ومدرسة الإسماعيلية الإعدادية ) إلى مراكز لتسجيل وتدريب المتطوعين والراغبين في حمل السلاح ، وأستعد أبناء الإسماعيلية لدور في معركة لم يكتب لهم – ولا حتى لجنود جيشهم – أن يخوضوها ، إذ حسمها الجيش الإسرائيلي في الثامنة والنصف من صباح 5 يونيه 1967 ، وقبل أن تبدأ الحرب . أخطأت العسكرية المصرية ، وأخطأت السياسة ودفع المصريون الثمن ، وأخطأ قادة الجيش وأخطأ السياسيون ، ودفع الشعب تكاليف " الفاتورة " وأعبائها الباهظة . ومع ذلك ، لم تهدأ مطابخ الغضب في صدور المصريين ، ولم تنطفىء نيران الثأر في أكبادهم ، وفي مقدمتهم بالطبع أبناء الإسماعيلية – الذي عاشوا المأساة وكانوا أول ضحاياها ، وكان على المصريين أن يلملموا جراحهم ، وأن يجمعوا إرادتهم ، وكان عليهم أن يدفنوا شهدائهم وأمواتهم ، وأن ينهضوا ، غير أن فتيات جيش الإحتلال الإسرائيلي أصبحن يتحدين إرادة المصريين ، إذ صار " الإسماعيلاوية يرونهم بالعين المجردة ، وهن ينزلن بأقدامهم للسباحة في مياه قناة السويس ، مع زملائهن من جنود الإحتلال ، في إذلال متعمد للكبرياء المصرية . وإلى ذلك راحت قوات الإحتلال الإسرائيلي تستعرض قدرتها ، وربما راحت تتسلى بتوجيه فوهات مدافع الهاون والهاوتزر ، لتصب قنابلها وقذائفها على المدنيين العزل من السلاح ، وعلى البيوت والمستشفيات والمصانع ، بل على المساجد والكنائس أيضاً ، في مدن القناة الثلاث ، وخاصة الإسماعيلية والسويس ، جيش نظامي خرج منتصراً في حربه مع ثلاث جيوش عربية ، يوجه نيران مدافعه ضد المدنيين الذين لايفصلهم عنه سوى حاجز قناة السويس . وتكررت الإعتداءات والضربات ، التي شكلت إمعاناً في إذلال المصريين ، وكسر إرادتهم ، وكان من ضحاياها أعداد من المدنيين ، أطفالاً ورجالاً ونساءً وشيوخاً ، وتهدمت بيوت ومساجد وكنائس ومدارس ومصانع ، وكلما مارس الإسرائيليون وحشيتهم ، تزايدت أعداد الضحايا ، وزادت الخسائر ، وبدا أن الإسرائيليون يسعون إلى الأحتفاظ بالمدنيين في مدن القناة ، رهائن يضغط بها على اي أمل مصري في المقاومة . وعاش أبناء الإسماعيلية أياماً صعبة ، بنهارها ولياليها الطويلة ، تحت سطوة وعربدة الإحتلال الإسرائيلي للأرض المصرية ، ولاينسى أبناء الإسماعيلية اياماً من يوليو وأغسطس وسبتمبر 1967م ، لاتزال تحتفظ بها ذاكرتهم ، ولاتنسى ذاكرة التاريخ استخدام الإسرائيلين لأسلحة محرمة وممنوعة دولياً ، ضد المدنيين الذين قتلتهم قنابل " النابالم " على الطرق التي تربط الإسماعيلية بمحافظات القاهرة وبورسعيد والشرقية والسويس . وكان لابد لصاحب القرار – الذي صمم على النار ، والذي رأى أن ما أخذه الإسرائيليون بالقوة ، لن يسترد بغير القوة – أن ينتزع من العدو ورقة الضغط التي يلعب بها ، وعقب ضربة قوية لمدينتي الإسماعيلية والسويس في أواخر سبتمبر 1967 ، أتخذ جمال عبد الناصر قرار بتهجير سكان المدن الثلاث ، في إشارة إلى أستعداده لحرب طويلة الأمد مع العدو الصهيوني ، وبداية حرب التحرير الوطنية . وهكذا .. كان على أبناء الإسماعيلية أن يتركوا الأرض التي عاشوا فوقها أيام طفولتهم ، وشهدت ملاعب صباهم ، وأحلام شبابهم ، وتفرقت الأسر ولاعائلات ، وأنفرط عقد الصداقات ، فساحوا في محافظات مصر ، من الشرقية إلى الإسكندرية وأسوان ، وبقى منهم جماعات من الشباب ، تمسك بعضهم بالأرض والمقاومة ، عن أيمان حقيقي ، ورغبة في أن يكون بقائهم على أرضهم " رسالة " و " رمزاً " للمقاومة ، بينما كان البقاء بالنسبة للبعض تعبيراً عن رغبات وتطلعات " شخصية " ! نحو ست " سنوات " عاشتها الإسماعيلية في شوق لأبنائها الذين أنخلعوا عنها ، وعاش أبناؤها يعانون أشواق غربتهم بعيداً عنها ، وراح أبناء الإسماعيلية يعبرون عن التجربة التي أطلقت أصواتهم " شعراً " يتفجر حباً للوطن ، صارخاً بالحنين إلى " الأرض " رافعاً راية التحريض على المقاومة ، وتطهير التراب الذي يدنسه الإسرائيليون ، وراح الشعراء يبشرون بيوم النصر الآتي من رحم الهزيمة ، والضياع ، ويطلقون كلماتهم رصاصات وقنابل ، تتوحد مع كلمات الآذان في مآذن المساجد ، وأجراس الكنائس " على هدير المدافع .. عللي الأدان عللى " و " مهما طال الوقت على .. أنا راجع يا أسماعيلية " .. وغيرها من قصائد العامية والأغاني التي عبرت عن روح المقاومة ، وراحت تشكل – مع حرب الأستنزاف التي شنها المصريون على مواقع الإسرائيليين في سيناء – فضاءً مصرياً جديداً ، تلوح في أفقه علامات عودة " النورس " إلى شاطىء قناة السويس . ولقصائد حافظ الصادق وحسن الجداوي والسيد أبو العنين وصالح أبو زيد ، وألحان عبد العثمانلي ، وغيرهم من ألبطال الحقيقيين الذين أحبوا الإسماعيلية ، وغنوا لها ، وغنوها خلال تلك الفترة الصعبة والثرية – قصة تحتاج إلى وقت ، وأوراق ، وحكاية أخرى . إلا أنه من المهم أن نسجل هنا في إحدى القصص الموازية – التي يجب أن نعود إليها في يوم ما – أن الشباب من أبناء الإسماعيلية ، الذين تركوها طلاباً في الثانوية العامة ، أو على مشارف الجامعات ، راحوا – وبتأثير الشروخ النفسية التي أصابتهم بها الهزيمة – يشكلون رافداً مهماً من روافد الحركة الوطنية الديمقراطية ، التي تفجرت بالعديد من المطالب والتوجهات ، رداً على هزيمة يونيه 1967 . وشارك بعض هؤلاء الطلاب في قيادة الحركة الوطنية الديمقراطية داخل الجامعات ، خصوصاً جامعات القاهرة وعين شمس والإسكندرية ، من خلال الاتحادات الطلابية ، أو من خلال نظام السر التي كانوا هم أول من أبتدعوها ، في رد عملي على حالة " الشتات " التي وجدوا أنفسهم محاصرين فيها بعد التهجير ، وفي محاولة منهم للتجمع والتوحد والانصهار داخل أوعية تحافظ لهم على انتماءاتهم " الضيقة " ، ولكن من دون أن تنسيهم أنتماءهم الأكبر لمصر والحركة الوطنية الديمقراطية ، وشارك هؤلاء بفعالية في حركة فبراير ونوفمبر 1968 ، ثم أتسع دور بعضهم – وفي الحقيقة إلى جانب زملاء لهم من الطلاب أبناء السويس وبورسعيد – ليصب في مجرى الحركة الوطنية الديمقراطية ، التي راحت تكبر وتتسع خلال تلك السنوات ، لتتفجر في يناير 1972 ، من كليتي الأداب والهندسة والأقتصاد والعلوم السياسية في وقت واحد . تلك قصص مهمة من قصص سنوات الحرب والغربة ، وهي تحتاج إلى صفحات أخرى ، لكى نحكي بعض وقائعها ، في إطارها وسياقها التاريخي ، لأنها إسهام " نوعي " مهم لأبناء الإسماعيلية ، في لحظة فريدة من التاريخ المصري الحديث والمعاصر ، على أنه من المهم هنا ، أن نشير إلى أن قصة السنوات الست العجاف ، تحتاج إلى معالجات أخرى ، من زوايا وأبعاد مختلفة ، وتحتاج إلى نظرة منصفة . في أكتوبر 1973 أتخذ الرئيس الراحل محمد أنور السادات قراره الشجاع بالحرب ، وأنطلق أبناء مصر باتجاه الضفة الغربية من قناة السويس ، يحررون الأرض التي طالت أشواقهم أليها ، وأنتصروا . وعاد أبناء الإسماعيلية إلى أرضهم ، وأرتفعت رايات النصر على شاطىء قناة السويس ، وغنى المطربون والمطربات للسفن التي عادت إلى المرور في القناة ، وأعطى أنور السادات إشارة المرور من اليخت الذ اصطحب فيه ابن شاه ايران محمد رضا بهلوى ، في يونيه 1975 ، الذي أصبح يوماً أو عيداً وطنياً للإسماعيلية ، قبل أن يعود " الإسماعيلاوية " إلى يومهم الوطني الحقيقي ( ذكرى 16 أكتوبر 1951 ) الذي أختاروه بإجماع ، وقبل أن يعبث به العابثون مرة أخرى ، ليختاروا ( 25 يناير ) يوماً بديلاً ، وتلك قصة أخرى . وكما يكون لكل حرب ضحايا وشهداء ، ولكل حرب أنتهازيون وأغنياء ، كان لحرب أكتوبر المجيدة ضحايا وشهداء ، وأغنياء وأنتهازيون وأثرياء ، وكان لها لصوص سرقوا لحظة النصر

الرجوع الى المعلومه