أغنية القرد العجوز

وقفَ الببّغاءُ الملوّنُ قربَ القردِ العجوز فوقَ شجرةِ السّنديان الكبيرة وسـطَ الغابة على طرف جدولٍ رقراق‏

القرد: سلّمَ الله منقارَك الكلماتُ تقطرُ منه كالعسل‏

الببّغاء: شكراً أنا شاطرٌ بالحكي صدقت‏ شاطر فقط أنت حكواتي‏

قهقه الببغاء قال:‏ حكواتي ذكّرتني بالمقهى حيث يجلس رجلٌ ذو طربوش أحمر ويحكي قصصاً تُسلّي البشر‏

داعبَ القردُ شَعرَ رأسه الأبيض بأصابعه وبعد تفكير

قال:‏ ببغاء ما رأيك أن نجعلَ هذه الشّجرةَ مقهىً وتكون الحكواتي‏

حكواتي‏

نعم السّنديانة هذه أكبرُ أشجارِ الغابة وظلّها كثيفٌ كما ترى إنّها مقهى يبهجُ النفسَ والله لَشُربُ ماءِ جوز

الهند تحت ظلّها يطيلُ العمرَ خصوصاً عندما تغمسُ قدميكَ بماء الجدول وتغنّي‏

فكرتك طريفةٌ، لكنّها أشبهُ بحلم‏

بل حقيقة سأخبرُ حيواناتِ الغابة بالفكرة سأغريها بحكاياتك وبالطّعامِ والشّرابِ الّذي سيقدّمه لَها ابني قرّود بسعرٍ رمزيّ‏

طيّب لنفترض أنّ الحيواناتِ المفترسةَ وافقتكَ ماذا عن البقيّة‏

ببغاء، فكّرْ معي إذا تعاهدنا أن نتصالَح ساعتين يوميّاً وقتَ القيلولة تحتَ شجرةِ السّنديان تحديداً أعتقدُ أنّنا سننجح ما رأيك‏

والله يا قرد المسألةُ صعبةٌ زيادةٌ عن الّلزوم لكنْ لا يمنع أن تحاولَ جمعَها أسبوعاً على الأقل

تقصدُ أن نحاولَ معاً‏

بالضّبط هذا ما قصدتُه‏

وانطلقا شارحَين الفكرةَ للحيوانات‏

صراحةً لم يحضر في البداية غيرُ الثّعلب

جلسا على طرفي الظل كانا يقظَين القردُ يجلس قربَ الأرنبِ والببّغاءُ يحكي للثّعلب قصّةَ الصّداقة‏

انتشرَ خبرُ الّلقاء في الغابة زالَ الخوفً ونجحتِ الفكرة‏

الببغاء يقف على الغصن لسانه لا يدخل إلى منقاره يُنهي قصّة ويبدأ بأخرى‏

قرّود يطوف على الحيوانات بما لذّ وطاب من طعام وشراب جوز هند توت برّي بلّوط كلّ ذلك يُقدَّمُ في

أوراق كبيرة خضراء تُوضعُ على جذوعٍ قصيرة موزّعةٍ تحت السّنديانة

أمّأ القردُ العجوزُ فكان يسندُ ظهرَه إلى جذع السّنديانة يراقبُ حيواناتِ المقهى مسروراً ويغنّي‏

الغريب أنَّ الحيواناتِ المجتمعةِ حولَ الجذوعِ طباعُها متعاكسة‏

مثلاً كان النّمرلا يجلس إلا قبالةَ الغزالِ ينظرُ إليه مليّاً

ويقول:‏ ما شاء الله ما أحلى عينيك أنا أعرفك منذ ولادتي لكنّني لم أنظر قطّ إلى عينيك الجميلتين

شكراً نمر الجمالُ ليس حِكراً على عينَيّ فوجهُكَ أيضاً مدوّرٌ كقمر‏

أخجلتني يا غزال آهٍ لماذا لم نتصالح منذ زمن

لمن تكن تسمحُ بالصّلح كنتَ دائماً مستعدّاً للافتراس‏

لا تذكّرني كنتُ جاهلاً لكنَّ قردَنا العجوزَ وصديقَه البّبغاءَ نوّرَا عقلي‏

ويطلبُ النّمرُ للغزال توتاً بريّاً ويلبّي قرّودُ مبتسماً وما إن يضعُه على الجذعِ حتّى يسمعَ نداءَ الثّعلب‏

قرّود ملفوفةٌ كبيرةٌ وغضّة لأرنبي العزيز‏

حاضر‏

ويقتربُ الأرنبُ من صديقِه الثّعلب يتلامسُ فِراءاهُما

يقول:ثعلوب أخجلتني بكرمِكَ، منذ ساعةٍ وأنتَ تُطعمُني الجزرَ الخسَّ وأخيراً الملفوفـ صحتين وهَنا‏

كُلْ يا صديق أريدُك سميناً ألا يكفي أنّني أذبتُ شحمَكَ لكثرة مطاردتِك‏ كل أريدُ أن أكفّرَ عن ذنوبي‏

ثعلوب أخشى أن يكونَ كرمُكَ خدعةً كي أسمنَ و‏ لا تكمل

 أرنوب فعلت ذلك قبل التعرّف عليك وسماع حديثك

صحيح أنّني ما زلت آكلُ الّلحمَ لكن لحمَ مَن لحمَ الحيوانات الّتي فارقتها الحياة‏

لم أقصد إزعاجكَ أنا أشعرُ بصدق حديثك‏

لا بأس استعد للأكل ها قد حَضَرَتْ الملفوفة ولا تنسَ أن تكمِلَ لي كيف تعرّفتَ على أرنوبة الجميلة‏

ويمضي الأسبوع وتغصّ شجرةُ المقهى بالحيوانات وينتشرُ الوِفاقُ من ظلّها إلى ظلالِ الأشجار المجاورة و

تستيقظُ الحيواناتُ على صراخ القرد العجوز تَهرَعُ نحوهُ راكضةً وطائرةً لترى المشهدَ المخيف‏

شجرةُ المقهى مكسورة كتلةٌ خضراء هائلةٌ مرميّةٌ على الأرض‏

هاجتِ الحيوانات‏

قالت: هذا عملُ طيور نقّارِ الخشب نقرَتْ ساقَها فانكسرت‏

وقالت: بل السّناجبُ إنّها أسرعُ‏

وقالت: ربَّما حيواناتُ الغابةِ المجاورة‏

قالَ الببغاءُ: وربما حيواناتٌ من غابتنا نفسِها‏

مسحَ الغزالُ دموعَه أشارَ إلى سنديانة قريبةٍ

قال : ستكونُ تلك الشجّرةُ مقهانا الجديد‏

قالتِ الحيواناتُ: لكنّها صغيرة‏

وقالت: ظلّها لا يَسَعُ نصفَنا‏

وقالت: لننتظر ريثما تكبُر‏

قالَ الببّغاءُ: هل سنبقى محافظينَ على عهدِنا حتّى تكبر‏

صرخ قرّود قائلاً: أين أبي

تلفّتتِ الحيواناتُ حولَها لم ترَهُ نادت لم تسمعْ ردّاً‏

سكتَ الجميعَ وحدَه الجدولُ كان يجري تنعكس على وجهه

صورةُ السنديانة المكسورةِ فيترقرقُ مُصدِراً خريراً أشبهَ بأغنيةِ قردٍ عجوز

الرجوع الى المكتبة